الحديث عن التعليم شجونه وهمومه لن ينتهي تداوله في المجالس , والجميع يعلم أهمية تطوير التعليم وأثره على الحياة المجتمعية حيث يقاس تطور أي دولة بنجاح التعليم فيها , وأي مشكلة تصيب التعليم فهذا يعني تأخر الدولة , ولنتذكر ما حدث للولايات المتحدة الأمريكية في عهد (جون كيندي) حينما سبقتها الاتحاد السوفيتي في ريادة الفضاء أيام الحرب الباردة ، عندها تسائل بدهشة عن السر الذي جعل السوفيت يسبقون في غزو الفضاء ، فأجابه مستشاره العلمي : يا سيدي ان الخلل في منهج الرياضيات ، اطلق بعد ذلك المشروع القومي ( أمة في خطر ) , الذي قلب موازين التعليم في أمريكا وجعل منها دولة رائدة , ولم تمض بضع سنين حتى غزى الأمريكان الفضاء .
وفي بلادنا تخصص كل عام أكثر من ربع ميزانية الدولة لقطاع التعليم , ومع كل دورة وزارية ومع كل مسئول جديد تأتي مشاريع وزارة التربية والتعليم من أيام دراستي الأولى وحتى أصبحت معلماً داخل منظومة الوزارة , ومن المشاريع التي عاصرتها في السنوات العشر الأخيرة :
مشروع التطوير الشامل للمناهج , مشروع المدارس الرائدة , مشروع التقويم المستمر للمدارس الإبتدائية , مشروع تطوير التعليم الثانوي ( المقررات ) , مشروع التعليم الإلكتروني , مشروع المختبرات الإفتراضية , مروع الاختبارات التحصيليلة , مشروع تطوير الرياضيات والعلوم و آخرها مشروع الملك عبدالله لتطوير التعليم العام وهو محور حديثي في التدوينة كوني معلماً في مدارس التطوير .
مشروع الملك عبدالله لتطوير التعليم العام
طرحت وزارة التربية والتعليم فكرة مشروع تطوير مناهج الرياضيات والعلوم بمبلغ ملياري ريال , وبعد زيارة وفد وزارة التربية والتعليم لخادم الحرمين الشريفين وطرح مشروع تطوير التعليم العام , صدر عن مجلس الوزراء في أواخر العام الهجري 1427هـ الموافقة على المشروع بميزانية مستقلة قدرها 9 مليارات ريال لتصبح 11 ملياراً على مدى 6 سنوات ، وباستقلاليته عن وزارة التربية والتعليم .
” أتمنى أن تحملوا هذه المسؤولية بجد واجتهاد وتحسوا بمسؤوليتكم، وأعتقد أن هذه إن شاء الله فيكم، بيد أني أتمنى أن تزداد هذه المسؤولية، وأن تربوا أجيالنا الحاضرة والمستقبلة على الخير وعلى العدل والإنصاف، وخدمة الدين والوطن بصبر وعمل”
عبدالله بن عبدالعزيز
“نحن اليوم على أعتاب تحول جديد في تأكيدنا وحرصنا على أن نخوض تجربة نوعية في تطوير برامجنا وخططنا وكوادرنا البشرية وتجهيزاتنا الفنية بما يحقق هدف الارتقاء بنوعية التعليم والتدريب والارتقاء بجودة المخرجات في جميع المؤسسات التعليمية والتدريبية “
سلطان بن عبدالعزيز
محاور المشروع
تدور فكرة تطوير التعليم العام على محاور أربع هي :
تطوير المعلم , تطوير البيئة التعليمية , تطوير المنهج , تطوير النشاط غير الصفي , ومن أراد التفصيل يمكنه زيارة موقع مشروع الملك عبدالله بن عبدالعزيز لتطوير التعليم العام .
بدأ المشروع قبل عامين بـ 50 مدرسة مقسمة بالتساوي على البنين والبنات في 25 منطقة تعليمية في المملكة كمرحلة أولى على أن يتم تغطية جميع مدارس المملكة عند نهاية المشروع , والتجربة مستقاة من أحد التجارب التعليمية الأسترالية حيث تم نقلها وتوظيفها لما يخدم التعليم السعودي , وتقوم إدارة المشروع باستلام المدرسة وتطورها حتى تنضج وتقوم بإعادتها تحت تصرف إدارات التربية في المناطق .
سأنقل لكم جميع التغيرات التي طرأت على مشروع من خلال ما رأيته داخل المدرسة وكذلك وجهة نظري نحو فكرة المشروع .
تطوير البيئة التعليمية :
قامت مجموعة من الشركات بإعادة تهيئة المدرسة تقنياً وبناء شبكات سلكية ولا سلكية وتجهيز الفصول الدراسية بالسبورات الالكترونية وأجهزة العرض وأجهزة خوادم داخلية وشبكة انترنت عبر الألياف البصرية ومنظومة مراقبة مرتبطة بمركز التحكم في مدينة الرياض مع توفير موظف دعم فني داخل المدرسة ,وتم توزيع أجهزة حاسب محمول لكل معلم وطالب , وهذا برأيي أنه تطوير يغير من سير العملية التعليمية داخل الصف , ولكن تساؤلي الذي طرحته في بداية المشروع :
هل يمكن تهيئة أكثر من 3 آلاف مدرسة بهذه التجهيزات خلال ما تبقى من زمن المشروع ؟
ألم يخطر ببال إدارة المشروع أن هناك مدارس في المملكة لم تصلها الكهرباء حتى الآن ؟!!
ماذا لو تعطلت السبورة داخل الفصل ! , أين البديل ؟ أم تتوقف الدراسة ؟
ماذا لو تعطلت الشبكة داخل المدرسة , ماذا سيكون مصير اليوم الدراسي ؟!!
وللمعلومية أكثر التجهيزات تم ايقاف العمل بها حالياً .
تطوير المعلم :
لا يختلف اثنان على أن المعلم هو الشريك الأكبر في العملية التعليمية وأحد الأضلاع الثلاثة في مثلث التعليم مع الضلعين الآخرين الطالب والمنهج , والمعلم الجيد المدرَّب بإمكانه أن يوجد البيئة التعليمية الجيد وأن يبتكر طرقاً جديدة في التعليم , وبغير المعلم الجيد لن تسير العملية التعليمية ولو وفرنا أفخم المباني وأفضل المناهج وأفضل التقنيات المتوفرة .
وفي بداية المشروع تم الزام معلمي مدارس المشروع بالتدرب على برنامج ” دمج مهارات التفكير في المحتوى الدراسي ” خلال أسبوع في اجازة الصيف قبل بداية العام الدراسي , ومع بداية العام تم تدريبهم على طرق التعامل مع تقنيات السبورة الالكترونية وهذه حصيلة الدورات التدريبية التي تحصلنا عليها خلال العامين .
وللأسف ما يزال المعلم مجرد أداة نقل للمحتوى التعليمي لا أكثر , فلا نجد لرأيه أي اعتبار , فلماذا لا يشارك المعلم في اتخاذ القرارات الوزارية بأخذ رأيه عوضاً أن يصدرها أصحاب المكاتب الإدارية في الوزارة.
تطوير النشاط الغير صفي :
برأيي أن النشاط الغير الصفي لا تقل أهمية وجوده عن وجود المنهج العلمي , فالنشاط رديف مساعد لبناء شخصية لطالب ودمجه مهارات الحياة مع التعليم داخل المدرسة .
تم اضافة حصتي نشاط خلال الأسبوع الدراسي ,أي أنه تمت اضافة حصة ثامنة يومي السبت والأحد من أجل دروس النشاط بالإضافة إلى برامج مسائية لم ترى النور حتى الآن , وطرحت 7 برامج للنشاط (البدني والرياضي، الثقافي ، العلمي ، الكشفي ، الفني ، الاجتماعي ، المهني) .
ألا يعتقد من طرح مشروع دروس النشاط بهذا الشكل أنها تزيد العبء على كاهل الطالب , فبدلاً من أن نخفض الحصص اليومية نقوم بزيادتها ! , وهذا بالطبع أثر سلباً على انتاجية الطلاب وجعل البعض يتسرب خارج المدرسة !!
فكرة برامج النشاط الغير صفي متميزة لكن طرحها بهذه الطريقة خالف الواقع , وهذا ما جعل المدارس تخفض الوقت الزمني للدروس والآن تمت الغاء حصص النشاط .
تطوير المنهج :
طرحت بعض المناهج المطورة للرياضيات واللغة الإنجليزية وتم تغييرها في الفصل الذي يليه , وفي العام الماضي تم طرح أول باكورة مشروع الرياضيات والعلوم للصف الأول الثانوي وهي النسخة المعربة من السلسلة التعليمية الأمريكية ( ماجرو هيل ) التي تم اعتماد طبعته هذا العام في جميع مدارس التعليم العام .
بمعنى أنه تم دمج المشروع الشامل للمناهج مع مشروع الرياضيات والعلوم ضمن مشروع الملك عبدالله لتطوير التعليم العام .
وأخيراً هذا العام تم البدء بنظام التعليم الثانوي المطور ( نظام المقررات ) في جميع مدارس تطوير , والذي برأيي سيقلل الفجوة بين نظام التعليم العام ونظام التعليم العالي .
هذه جولة سريعة على أبرز الأحداث التي طرأت على المحاور الأربعة خلال العامين الماضيين , وللأسف الشديد أن بوادر تعثر المشروع ظهرت في العام الماضي عندما صدر قرار بعدم التوسع في عدد المدارس والاكتفاء بالـ 50 مدرسة الحالية وكذلك عدم توفير مهندس الدعم الفني مما جعل الفصول تتعطل تقريباً .
الدلائل كثيرة ولا يتسع الحديث لطرحها حالياً , وآخر مستجدات المشروع تعيين مدير مشروع تطوير الرياضيات والعلوم مديراً لمشروع ” تطوير ” .
نقاط نحو التطوير
# نجاح أي تجربة تعليمية في أي دولة لا يعني نجاحها في دولة أخرى عند تطبيقها فلكل دولة خصائص اجتماعية وتعليمية تختلف عن الأخرى .
# أين مشروع رخصة التعليم , الذي تطبقه كثير من دول العالم وتجدد الرخصة للمعلم كل فترة زمنية وإلا يتم الاستغناء عن المعلم !
# لماذا لا يتم التشديد على اختيار الكيف وليس الكم في تعيين المعلمين , وتحديد شروط مثل الرخصة الدولية لقيادة الحاسب ICDL واختبار قياس وغيرها من الاختبارات التي تقيمها وزارات التربية حول العالم .
# أليس بالإمكان الزام المعلم الجديد انهاء عدد معين من الساعات التدريبية التربوية المسائية خلال العام الأول ؟!
# كيف ينجح تطوير التعليم ولا توجد فروقات بين المعلم المتميز والمعلم الآخر , فكلاهما يتحصل على علاوة العام الجديد .
# لا بد من إعادة النظر في مشروع النشاط الغير صفي , وخصوصاً مع بداية نظام المقررات الأكثر مرونة من النظام العادي .
# من وجهة نظري أنه يمكن تحديد عدد من المدارس في كل منطقة تعليمية تطبق فيها فكرة البيئة التعليمية الالكترونية إذا عرفنا عن صعوبة تطبيق المشروع على مدارس المملكة .
# أتمنى أن تبدأ شركة تطوير القابضة مهمتها في أسرع وقت , فنحن في عصر السرعة ليس للبيروقراطية مكان فيه .
# أن من أكبر الأخطاء أن يتم الابتعاد عن دور الأسرة والمجتمع المحيط في عملية التكاملية للتعليم الناجح .
# إذا أردنا التقدم والازدهار للبلد يجب أن يكون التطوير للتعليم جاداً وصادقاً ولنبتعد عن المجاملات , لأن التعليم الناجح هو الاستثمار الجيد في ابناء هذا البلد .
نقطة آخر السطر …
هل أصبح التدريس مهنة من لا مهنة له ؟!
وهل أصبحت مشاريعنا التعليمية من قبيل خططنا المدروسة ؟!
روابط ذات صلة :
مشروع الملك عبدالله لتطوير التعليم العام
دمتم برعاية الله
اصبحت المناهج المطورة عملية اجتهادية من قبل المعلم والاهالي
لكوني اعايش مراحل تعليمية مختلفة رايت ردود افعال متفاوته من فشل ونجاح
والذي يعلق بذهني اصرار والد احدى الطالبات على العودة المبكرة من العمل لتعليم ابنتيه الرياضيات والفيزياء بنفسة فالمعلمة دائما ما تررد ان المنهج صعب وهو يخبر هم ان المنهج من السهولة والروعة التي كان يتمناها ايام دراسته
وبالمقابل هناك معلمات تميزن وقمن بالشرح بافضل طريقة ممكنة و كل هذا تم بجهودهم الشخصية
مقال متميز شكرا لك
الهام
اليوم علمت عن مشروع الملك اللذي ذكر باقتضاب في جريده عكاظ ، فاشكر لك هذا الطرح الوافي والعقلاني ، العقول امثالك يجب ان تستغل لخدمه الاجيال القادمه
اشكرك مره اخرى
لا أدري متى سنقتنع أن تطوير التعليم لا يقاس بعدد الريالات التي تنفق عليه !
أشكرك أخي بدر على إنصافك وتبيينك لواقع هذه المشاريع