دارت الأيام من جديد لتكمل دورتها السنوية على آخر لقاء هنا, مر العام بأحداث حزينة على النطاق الشخصي وعلى سكان الأرض قاطبة, أتمنى أن تكون العاقبة خير للجميع وأن مايخفيه الله أعظم وألطف مما حدث.
وأغلق باب الجنة
قبل عدة سنوات قرأت رواية الطاهر بن جلون بعنوان ” عندما تترنح ذاكرة أمي ” , ومازلت أتذكر اللحظات الحزينة التي عشتها مع قراءة الرواية وأنا أتخيل كيف سيكون الوضع عليه عندما تترنح ذاكرة أمي وقوتها وهي التي عاشت الحياة تقدم قوتها وحياتها في خدمة نفسها والعائلة, كانت في أبسط الطلبات اليومية تحب أن تقوم بنفسها على عملها
عزيز على نفسها أن تطلب خدمة من أحد, كانت تقدم لنا الحياة مغلفة بالمحبة وبكل سعادة.
ما الذي سيكون عليه الوضع عندما تقعدها سنوات الحياة عن العمل اليومي؟
كان هاجساَ يراودني كثيراً, كيف لك أن تقنعها بالجلوس والراحة بقية حياتها, وهي التي تقف صامدة أمام المحاولات الاستباقية لمحاولات أفراد العائلة العمل عنها..
قبل عام ونصف تقريباً أصيبت بكسر في كتفها, كانت المعاناة النفسية عظيمة وهي ترى ضعف قوتها في مقاومة الحركة والعمل, وبعد أن كتب الله لها الشفاء عاودت الركض من جديد لحياتها الاعتيادية في العمل.
لن تسعفك الكلمات بالحديث عن أمك مهما حاولت أن تكتب, فالحديث عن الأم صعب للغاية, فلا الكلمات تكفي ولا العبارات توفي حقها ولو بجزء بسيط..
خرجت إلى الدنيا منها, وعشت طفولتك بين يديها ترعاك في أبسط حاجياتك, ولن تتوقف حتى وإن خط الشيب في رأسك وحضر أحفادها بين يديها, فهي ماتزال تراك طفلها الذي ترعاه.
حملت وسهرت وتعبت وأنجبت ورعت وكابدت مصاعب الحياة تدفعها غريزة صعب على العقل أن يفهمها أو يستوعبها, هي الأم وكفى…
لن أتحدث عن أمي وحياتي معها, فلكل إنسان قصته العظيمة التي لن تشبه قصة الآخر وإن كانت الشخصيات متكررة في كل قصة, فالأمهات يتشابهن ولكن لكل قصة نكهتها وطعمها..
الرحيل المر
بدأت صحتها تضعف أمام الأمراض المزمنة التي وجدت في جسدها ملاذاً تعيش فيه وتقتات من قوتها وأيامها, حتى اقتربت ساعة الاستسلام حيث انهارت قواها عن الحركة في المنزل لتنقل إلى المستشفى في آخر اليوم دون علمي.
لا أستطيع التعبير عن الحالة التي عشتها في صباح الأربعاء عندما فتحت هاتفي المغلق وأنا أقرأ الرسالة النصية بأن هناك اتصال من أخي عند الساعة 4:49 فجراً !!, كم كانت الأمنيات أن يكون الإتصال خاطئاً بضغطة زر منه أو أحد أطفاله, قبل أن يكون ناقلاً لخبر ذهاب أمي إلى المستشفى في الليلة الماضية.
ركضت بين دهاليز المستشفى بحثاً عنها على رغم التشديد في تقييد الدخول والحركة في ظل ظروف كورونا, سعادة مؤقتة ارتسمت في عقلي عندما رد موظف الاستقبال في قسم التنويم بأن هذا الإسم غير موجود في سجلات المستشفى!,
“راجع مدير قسم الطوارئ للتأكد”, هكذا كانت الإجابة من الموظف, انتقلت بخطى مثقلة إلى المدير وكانت الإجابة أن الإسم غير موجود في قسم الطوارئ !!
ما الذي يحدث الآن؟!
هل أعيش حلماً, أم حقيقة لا أستطيع فك لغزها.
عاودت الاتصال للتأكد من الخبر طمعاً في إجابة أخرى تكذب ماسمعته في الاتصال السابق, وسرعان ما عادت بي الخطى طلباً في فزعة من مدير الطوارئ للبحث الدقيق عن الاسم في السجلات الورقية, وكانت الحقيقة الصادمة أنها أدخلت في قسم التنويم في اللحظة التي ذهبت استفسر عن اسمها في سجلاتهم.
ونظراً للمنع المشدد من زيارة المرضى والتواصل معهم, لم يكن من طريق للوصول والسؤال عن الحالة كل يوم إلا عبر التقارير اليومية أو التواصل الهاتفي مع الدكتور أثناء الزيارة اليومية للمرضى.
الاتصال الأخير
بعد يومين من دخولها للتنويم كان اتصالي معها عبر جوالها الشخصي هو آخر تواصل صوتي معها, رغم الألم في صوتها لكن كان الحديث كعادتها هو السؤال عن أفراد العائلة جميعهم وحتى الخادمة للإطمئنان, وطلبت أن لا أكلف نفسي بالانتظار للدخول فهي سترقد الآن للراحة.
وكانت هي الغيبوبة التي دخلت فيها حتى اكتملت سبعة أيام من دخول المستشفى, حيث الاتصال من والدي صبيحة يوم الأربعاء 17 / 11 / 1441هـ لينقل خبر وفاتها- رحمها الله تعالى.
هاهي الأيام تمضي مسرعة منذ أن انتقلت روحها إلى الرفيق الأعلى وغادرنا جسدها الطاهر إلى داخل الأرض..
تمر الساعات ولا يستطيع العقل أن يفهم ما الذي حدث, وإلى متى؟ وكيف اللقاء؟
كثيرة هي الأسئلة ولكن الإجابة أن لا عودة ولا لقاء في هذه الحياة.
كتب عبدالله القرني مقالة نشرها في تويتر ينعي أمه – رحمها الله تعالى- حيث الكلمات تصف هذا الرحيل المر لكل من فقد أمه.
عزائي أنها رحلت عن هذه الدنيا الفانية وهي تحمل كل هذه الدعوات حصاد مازرعته من محبة عند جميع من عرفها, رحلت بقلبها الطاهر البسيط المحب…
رحلت في عز أمومتها…
واختم الكلام بأبيات تنسب لأبي العتاهية يرثي فيها أمه:
عليك سلام الله يا أمي التي … بكتك رجال والنساء العواطفُ
رحلت وفي صدري أزيزُ مراجل … وبركان أوجاع من البين جارف ُ
فقدت حناناً لا يحدُ وطيبة … وكل حنان الناس ذا اليوم زائفُ
لقد رحلت أمي فمن ذا يعيرني … وهل تستعار الأمهات اللطائف
كورونا والكرة الأرضية
لعل أبرز أحداث الكرة الأرضية في العصر الحديث هو أن يغلق العالم أبوابه, حرفياً هذا ماحدث مع أزمة فيروس كورونا وماعشناه خلال هذا العام من أحداث جديدة على سكان الأرض, فالحياة اليومية أصبحة شبه معطلة تماماً, حظر التجول أصبح واقعاً يعيشه الناس دون سماع أصوات أعيرة نارية أو هدير طائرات عسكرية.
حدث سطره التاريخ مازلنا نترنح من نتائجه الوخيمة على العالم, افتقد الناس أحباباً لهم أصيبوا بعدوى المرض, ومن سلم من أعراض المرض أصيب بأثر في نفسه, وخسر آخرون وظائفهم وتجارتهم وتعطلت الحياة اليومية في كل بقاع الأرض.
بدأ حظر التجول في السعودية يوم الاثنين 28/ 7 / 1441هـ الموافق 23 / 3 / 2020م وتم رفعه كلياً يوم الأحد 29 / 10 / 1441 هـ الموافق 21 / 6 / 2020 م مع عودة الحياة الاقتصادية والأنشطة التجارية كما كانت مع الالتزام بالاحتياطات اللازمة, ومايزال حظر السفر سارياً حتى تاريخ اليوم.
( التباعد الجسدي, توكلنا, الحجر المنزلي, حظر التجول, كمامات, كيكة الليمون, الكيرم, الشوي) وغيرها تأريخ سيتذكره الناس في قادم الأيام.
التعليم عن بعد
كان الخيار الوحيد لاستمرار الحياة التعليمية أن يكون التعليم عن بعد, حيث أعلنت وزارة التعليم عن تعليق حضور الطلاب للمدارس في منتصف الفصل الدراسي الثاني للعام الماضي, ومازال التعليق مستمراً حيث أقفلت المدارس أبوابها مساء الأمس في آخر أيام الفصل الدراسي الأول من العام الدراسي الحالي.
تجربة جديدة على حياة الأسرة التي انشغلت في متابعة أبنائها من ساعات الصباح حتى مغيب الشمس, فالمدرسة انقسمت بين فترة صباحية للمرحلتين المتوسطة والثانوية ومسائية للمرحلة الإبتدائية.
دروس يومية افتراضية مع الطلاب, وعاودنا الركض من جديد في الشرح والتحضير ولكن عبر لقاءات عن بعد.
دعواتي بأن يعجل الله زوال الغمة, فمهما كانت الحلول التقنية جيدة لن تكون بديلاً عن الدروس الحضورية مع الطلاب.
الفرصة كانت جيدة لزيادة حصيلتي من الدورات التدريبية عن بعد مع عدة إدارات تعليمية وجهات أخرى.
الجوال
أربع سنوات عشتها مع هاتفي الآيفون 7, وحانت فرصة الانتقال ليكون الآبفون 12 برو هو المرافق التقني الجديد.
الدراجة
دخلت الدراجة الهوائية حياتي اليومية في أوقات حظر التجول, حيث كانت الفرصة متاحة للحركة داخل الحي دون خوف لمبتدئ من زحام السيارات في الشوارع, ولتكون وسيلة للحركة وكسر الروتين اليومي, لكن توقفت بعد رفع الحظر ولظروف أخرى.
سيكون هناك تدوينة مستقلة عن الدراجة ومايتعلق بها في قادم الأيام بمشيئة الله.
كهف الرجل
بدأت في تجهيز الكهف بعد تخصيص غرفة في منزلي, ومازال العمل جارياً حتى اللحظة في العمل والتهيئة, سأفرد تدوينة عن الفكرة وتفاصيل الكهف قريباً..
التصوير
هوايتي المحببة التي ابتعدت عنها بالفترة الأخيرة حيث انحصرت في التوثيق اليومي عبر الكاميرا المدمجة والجوال, وأصبحت أتتبع أخبارها وأتزود من الجمال البصري الذي تنقله عدسات المبدعين حول العالم.
لعل النجاح في الكهف يكون سبباً للعودة من جديد, أتمنى ذلك…
القراءة
نتائج هذا العام مخيبة للغاية بسبب قلة الكتب التي قرأتها والتي لم تتجاوز أصابع اليد الواحدة للأسف, أتمنى أن تكون العودة للمدونة محفزاً ودافعاً لقراءة المزيد وحصيلة تستحق الذكر في نهاية العام الجديد.
المدونة
ماتزال المدونة بيتي الصغير الذي أزوه دائماً وأرمم صفحاته بين تعديل وحذف دون إضافة, وقبل أن يبدأ العام الجديد عدت لأكتب ولعل ذلك فاتحة خير وبداية عودة للتدوين بعد أن سرقتنا شبكات التواصل الإجتماعية.
كتبت آخر تدوينة فيها في استقبال العام 2020, دخلت المدونة بعدها في سبات حتى هذه التدوينة, وكادت أن تفقد حياتها بعد هجوم من رسائل السبام تجاوزت 150 ألف رسالة, ولكن لطف الله ومساعدة الأصدقاء تجاوزت الأزمة.
كلي أمل أن يستمر هذا الحماس لأكتب تدوينة في ختام كل شهر بالإضافة لتدوينات أخرى.
ختاما..
أسأل الله العلي القدير أن يكون هذا العام فاتحة خير للجميع وأن يكتب لنا ولكم مانحب …